تلكَ الشجرة الباسقة.. معد الجبوري

نجمةٌ فريدة .. تشعُّ ولا تشيخ..

نَبْعُ شدْوٍ رائق رقراق .. لا ينضب ولا يشح..

جبينٌ عالٍ .. وقطوفٌ دانية..

أفقٌ صافٍ رحب .. يهطلُ ورداً وأسرابَ عصافير وكلماتٍ غضَّة..

يمامةٌ مُوصلية .. حين تصدحُ، يضوعُ ما تبثُّهُ طِيباً وزهوا ..  وحينَ تُحلِّقُ، تتفتَّحُ تَحْتَ جَناحيها أقواسُ قزح..

تلكم هي بشرى .. بشرى الإبداع والوعد بالجديد المدهش..

بشرى البستاني ..  الشاعرة الكبيرة والأستاذة الدكتورة القديرة..

…………….

    بعد منتصف الستينات من القرن العشرين، أيام بداية دراستنا الجامعية في بغداد، عرفتُ بشرى زميلةً من مدينتي تطرق باب الشِّعر مثلما أطرق.

 

في تلك الأيام، كان على المرأة العراقية، كي تتنفس بحرية، أن تدق بكل كيانها على الجدران التي تقف بوجهها، لِتَبْعَجَها أو تُهشِّمَها وصولا إلى ساحة الإبداع وإقامة منزلها الخاص عليها.. وهذا هو ما أقدمَتْ عليه بشرى البستاني، يوم خرجت إلى الوسط الأدبي وهي تدكُّ الجدار تلو الجدار، فكانت الصوت الشعري النسوي الوحيد المتمرد المجدد في مدينة الموصل.

 

ولأنها لم تكن تستجدي الضوء بل كانت الأضواءُ تسعى إليها لتفرُّدِها بأداء شعري خاص، بزغ نجمُها وتلألأ، حتى غدا صوتُها من أبرز الأصوات الشعرية العراقية والعربية، لما ينطوي عليه من شجنٍ عذب وغموضٍ شفَّاف أخَّاذ، وخيالٍ جامح خلاّق، وقدرة على التعبير بالصورة الجديدة، وارتياد فضاء شعري نادر مغاير، له بصمتُه ونكهتُه.

 

هذا الحس المرهف الأصيل، وجد له طريقا آخر عبْرَ بشرى الأستاذة الدكتورة، التي أحالت الجو الأكاديمي إلى ميدان للخلق والتجاوز، فأنجزت عشرات البحوث والمقالات النقدية التي تعتمد المناهج الحديثة، وأشرفت على إنجاز عشرات الأطاريح والرسائل الجامعية، فيما سعت إلى خرق التقاليد الجامدة بتوجيه طلبة الدراسات العليا إلى تناول نتاج الأحياء من كِبار مبدعي مدينتها وتجاوز رأي من يريد أن يقصر ذلك على الراحلين منهم .. وهكذا ظلت جمرة الحياة والابتكار متقدةً في روحها المتوهجة الفياضة.

***

 

بشرى.. أيتها الأخت العزيزة، يا رفيقة الروح والهموم والهواجس..

تحية لأكثر من أربعين عاما،غمَسنا خلالها معاً أنفاسَنا في حرائقِ الكلمات، ورحلنا بها في بحر خِضمّ واجهنا ريحَه الصرصر العاتية وأمواجَه المتلاطمة، مسكونينَ بِحُمّى الوِلادة ورؤاها ووجعها اللذيذ، فلم نتعب ولم نطوِ الأشرعة.

لقد انطفأت أسماء وأسماء ، وغطى غبارُ الزمن أسماء أخرى، فانظري.. لقد ظل اسمك الذي لا يكف عن النبض والتألق يا بشرى، في طليعة الأسماء النابضة المتألقة.

تحية لدُرَّةٍ تسطعُ في تاج الابداع العراقي..

تحية لشجرةِ تُوتٍ باسقة ما تزال مأوى اليمام والنجوم..

تحية لزنبقةٍ أقيسُ بها قامتي..

                           وأسميها بشرى البستاني..

أضف تعليق