الحـــــب 2003

 (1)

الملاعب مقفرة

مطر اسود في الدروب

” وشبعاد ” يوجعها النخلُ والرافدان

ويوجعها الليل منطفئاً

والقناديل مجروحة

وحدائق “أور” تبعثرها القدم الهمجية

يومض وجه العراقْ …

وخلف أزيز المجنزرة الآثمة

جثث الأمنيات تسابقني فوق دغلٍ

يخضبهُ الموت ُ

أرصفة الليل بين ذراعيّ مزروعة

بأنين عصيّ ،

شهيدٌ على باب بيتي

وخصلة شعري معلقة بالرياحِ

ومقصلة الحلم ملغومة بالهديلْ

حجرٌ أسودُ في السرير

وطائرة في سماء المدينة ترصد خطوي

وبأسم الحياة تحاصر نبضي

وباسم الحضارة توثق قيدي

وباسم الأمان تلاحقني بالرصاص….

………..

الصواريخ تفتح جرحي وتودع فيه مزيداً من الموتِ

دجلة مقفلةٌ ،

والإشارة ما بين خطوي وشاطئها تتكسر

بين الردى والرجاء…

أخبئ دجلة في نبض أمنيتي

وعيون العراق على جبهة الكون

نافورة من دماء

“وشبعاد” وسط الدجى ساعدان

يضمان جرح العراق ،

وتعويذةٌ لمشاعله المقبلة …

…………

…………

 

(2)

تنطفئ النجوم وادخل في الضباب

كل شيء يتلاشى إلا الأذرع المنسابة في ملكوت العلامة

والا الأصابع الذاهبة في حقول التأسي …

أغصانا …

ثمرها ثريات عتمة تخاتل الضوء ..

وثريات ضوء تخاتل العتمة

 لتدخل الروح في نشوة أزلية

يا الهي .. أما لاشتعال الشجر من نهاية

وغضا السواعد نارٌ من نشيج

فكيف لمحنة العناق أن تتبدى

ودائرة الوجد تحكم الطوق حول جيدين أسيرينِ بقضبان المحنة

ومحكومين بحمى التواشج

والزمن يترى ..

عّطشاً ،

ومنضوياً في خلايا الوجع

ضارباً ، ومحكوما بإبداع الحرية

وانين العراقيين ناي يشكل تضاريس الوجود

فيا أيتها الأماني …

ياسرَّ الكشف ،

يا أذرع الرجاء …

حرريني من انبثاق عناقيد الحزن

تتساقط في فضاء الروحِ ،

وهو يظهرني على الغيب

اذ يصير صدري بحرا وصدره الافق 

      لا يلتقيان حتى آخر رعشة …

في الفجوة المقدسة بين الموت والبعث

لا يلتقيان  …..

 

تختبئ أصوات التسابيح ،التعاويذ‘ الصواريخ

يختبئ هدير دجلة ،

 خرير الفرات ،

 وجع الزاب

 وآلاف الجداول تأتي ولا تذهب…….

 

يختبئ نشيح الدغل ،

 همسُ الأناشيد ،

 أنين “ننباذا “

ممددة على سرر الذهب من ستة ألاف عام

عند رأسها وتحت قدميها تقف الجواري

ويحمل لها الفتيةُ خمرَ العصور بقوارير الفتنة

“وبارا – ارنون” ابنة الملوك ، زوجة الملك

 تقف باذخة على قمة العراق ،

 هكذا ( على الكرسي تجلس ابنة بابل )

 والعرش الملكي باذخ بها

عندما عملت كل ما هو رائع وجميل وبنت

منارة التاريخ باركها الإله

فقدمت تلك الألواح الذهبية هدية للبشرية

من اجل حياتهم

وظلت الملكة “كو بابا ” تمنح الخمر عبر العصور ليسكر العالم

وعندما انتشى بخمرتها الطغاة التفتوا إليها

قتلاً واجتياحاً ونهباً حتى جفت الصحف ..

لكن ” كو بابا ” الملكة ، التي ثبتت كينونة البشرية

ظلت ملكة على عرش الدنيا ……..

فتحت  المجندة الأمريكية عينيها بدهشة ممزوجة بالرعب

 ونادت زميلها الطبيب المجند

 وحكت له قصة الملكات العراقيات عام 2700 قبل الميلاد

نظر المجند الأمريكي في أوجهنا الباذخة خجلاً ثم انصرف

أيها العراق ..

 ايهما اكبر خطابك أم النص……

أدعُ “بارت ودريدا وفوكو” لجدلهم واختبئ في غبار الحرية وهو يمسح عن السلاسل أمجادها

أختبئ في سنابل المحنةَ

اختبئ في مياه صدرك واعرف كيف أموت ……

….

الست وعدتني يا قلب أني

 متى ما تبت عن ليلى تتوب

فها أنا تائب عن حب ليلى

فما لك كلما ذكرت تذوب

لكنني استسلم لقيد عذابك ولا أتوب…

 في عبير عشبك أبصر مسالك وممالك

وفي ذرات رملك يطلع فرسان

يخاصرون شجري

 ويصنعون من زنابق الصحراء أكاليل

تتوج ضفائر أحلامي

فانهضي أيتها الأنهار ،

                    النجوم ،

                        العيون ،

                          الكروم ،                                               

                                 الكلوم

                                       الاقبية

انهضي يا بخور الخوف من كهوف الجسد

كي تفك اللغة إسارها ،

وتكسر قيدها التراتيل

انهضي أيتها السواعد الصدئة ..

يا غيومَ البراعم المخمورة

 لعل الاقداح تعلن العصيانَ من اجل خمرةٍ تهب الحريةْ

انهضي أيتها الأجنة النائمة في دم العذارى

شوكاً مراً وثعابين من مسد ..

انهضي يا أحجار” ثمودٍ” ،

 يا صرصر” عادْ” ،

 يا نخلها المنقعر

انهضي يا فتنة الناقة ،

وافتحي الدوائر المقفلة يا أسورة امراة العزيز

 فقد ان للنسوة ان يداوين جروحَ أيديهن

وان للسكاكين ان تسقط ..

انهضي يا فتنة الناجين ،

 فأنا بحاجة إلى من يحملني على يقطينة الخلاص

 في طوفان آخر المطاف ..

وتكوري يا شمس هذه الكرة المنكفئة بلعنة الطغاة

تكوري فانا انتظر قيامة الملكوت

كي يطهر الماء سعير المحنة…………

…………………….

انضوي تحت جنح القمر كي ينشق

وارضع الصبيرَ حليبي

فيتساقط اليمام من شجر الكلام

وينهض البرق في عيون شهيد

 لم يستطع أن يلحق بموكب عرسهْ

لان أصابعه ظلت متشبثة بدغل الأرض ِ

حينما كانت الرصاصة الغريبة أقرب من عبير العروس ..

يقولون ليلى عذبتك بحبها 

 فيا حبذا ذاك الحبيب المعذبُ

……

(3)

في الصباح استلمت رسالة عن طريق الانترنيت من جلالة الملكة “انخدوانا “ابنة الملك العراقي “سرجون الاكدي”  تقول:

أنها تعبة من الحرب

وان الزرازير لم تعد تغني في عرشها من زمن

 وان الجنة ضاقت بورود قادمة من العراق ..

“وحمورابي” يقف باذخا فوق أسوار وقصور بابل

 مؤشراً بالخط الأحمر

بقلمه العراقي تحت الحقوق الإنسانية التي دبجتها

شرائعه والتي انتهكتها شرائع نيويورك بعصيّ رعاة البقر

تلك التي تحولت إلى حمم بركانية تقذفها بارجات الحضارة على ورود نيسان العراق ..

هل رأى حمورابي ما فعلته الدبابات الأمريكية بأسوار بابل..؟

 ثار العالم ثورة دونكيشوتية على عشرات الآلاف من القطع الأثرية النفيسة التي سرقت

من متاحف العراق

 وناشد المختصون منظمة اليونسكو ومراكز حماية الآثار الحضارية

لكن الدبابات الأمريكية ظلت تخرب أسواربابل

ووتهدم شرف قصورها المفتوحة على الأفق ،

وظلت الحرية والديمقراطية الأمريكية وقوانين انتهاك حقوق الإنسان

سارية المفعول..

يضيق بنا السجن الذي تبلغ مساحته اربعمئةً وثلاثةً

وخمسين ألف كم2 

يضيق بسهوله وأنهاره وهضابه ، وتنكفئ نوافذه

ووراء النوافذ انتظرك

بشجني وشجري وأقماري

وبالملائكة التي ترتل أورادها في غيم قلبي

أتشبث بهدوء الأنبياء ِ .. أغثني

لكن الصواريخ تسقط

فأسير في جنازة عمري ،

 وأخبئك بين جفنيّ وأغمض ْ

أزرعك في قطرة دمع ..

فتفتح الثريات أعينها

تفتح الحقول دوحها

تفتح العناقيد ثمرها

تتشظى البحور ويشتعل سمكها في قطرة دمع

تفتح العروش بهاءها

وتنهض بلقيس كاشفة عن محنتها

وتسقط البلدان

وأنا مذعورةً افتح للريح صدري

مجنونة انتزع السكاكين عن ظهر وطني

ذبحوه في لعبة المد والجزر

وطني نهر دمٍِ اخرس

أتذكر شريان العنق ،

تفاحةَ القلبِ ،

نوافذ الجسد ،

كلها تتدفق نوافير دم يسأل لماذا ..؟

أتضور فوق رمل العذاب بركاناً من زبد

وأقول للصاعقة .. خذيني

……

……

(4)

أدخلني خيمة صدرك لأوقف الزمن

أحملك على جناحيّ نحو ثمانية العرش

لعل النار تطفى الخطيئة

والخطيئة أن أغادر الرحمة ،

والرحمةُ أن اختبئ في صدرك

 وأعرف كيف أموت .

ونخلة الصحراء تبكي وصب القيظ

لكن الواحة تختبئ في جنح فراشة ،

 وتظل النخلةُ تلوب ..

أأنتَ الواحة المختبئة في أجنحة الفراش ؟

على سجادة الجسد اصلي ..

في رقصة الموج المنسرح على لحن الموت

على أسوار العطش اذ يقترب البوح من السكين

 و يسكت إمام الغناء داؤد ..

على معراج النشوة

في تسابيح القبض والبسط

في ذرى جبل اللغوب

على جسر اللوعة اذ أتسلق أعمدة الحمى ..

أصعد ، أصعد ،

يشخص البصرٌ ، وتنصعق أعضائي

وفي ترنيمة التوحد اهوي

اذ يأخذني العصف الى القاع أتحسس وجه الحياة

مأخوذة بشظايا الهشيم ..

يفتح الطفل ذو السنوات الأربع عينيه ذعرا

وبكبرياء الطفولة يموت

انهضي أيتها الارض

كي يتسنى لهذه الرعشة أن تقرع أعمدة الوجود

انهضي………

 واستلقي بين سواعد امرأة ورجل يقتصان من القتلة

وبحكمة الأصابع يعيدان تشكيل الكون ..

انهضي

 وانسابي في أروقة الحنان دفئاً أتشبث بأردانه

حتى مطلع الخلاص ..

انهضي تري أصابع المكيدة تنسل في  خلايا الوجود

وتري قلائد الدمع تطوّق عنق الكون ،

تتهدل فوق صدره عناقيد نارية

ولا مفاتيح في النص..

ومقفلةٌ عيون الكتابة ،

                    

(5)

 يوم قامت قيامة الصواريخ ضاعت منازل القمر ،

 وارتبكت النجوم

ونهضت جبال القرابين

على قمتها يضرب قابيل يداً بيد ..

يجري لا مستقر له ،

يعدو لا مواقيت أمامه

يبكي .. فلا يجد الدمع ………..

…….

نوافير النار تجتاح مسارب الكون وتصمت النواعير ..

اختبئ في أوراق الشجر ،

 وادخل في ذرات الرملِ أداوي جروحها

ينفرش جسدي على ارض العراق

 ينفرش،

يذود عنه الشظايا ويطفئ بالدم حرائقه ..

في الفجر أحمله بين ذراعيّ ،

طفلاً معروق الجبين

وأقول للنجوم المعلقة على كتف الأمريكي :

ستنطفئينْ ..

أنزرع في قطرات المطر

أخبئ غرناطة في دمي

اعبر بها الى المدرسة واحمل القدس نرجسةً محمومة

أعلقها على صدور الناطقين بـ(لا ..) فلا تخجل القنوات الفضائية ، ويستشهد على الأرصفة بائعو خبز الفقراء ..

ابحث عمن ينخر السفينة ليعبر بها الى الطرف الأخر

لكن الصمت يراود مقل الكلام وتهوي الصواريخ

عصفها في أعماق الليل يدوي :

اقتلعوا أسس بابل …………..

امسكوا أطفالها واضربوا بهم الصخرة ..

……

(6)

على وجنتك تشتعل شفتي

أغمض عينيّ فالمس الشهب وأسير على الماء

على وجنتك تشتعل شفتي ،

أدخل شباك الفتنة وتسقط الحجب ..

وفوق كتفيّ تنفرط عناقيد اليمام صرعى

وأغيب في حمّى العبيرْ ..

والأرض فاتحة الحقيقة والطريقة والمعاد

الأرض قارعة وهادية

وهامدة وضارية

وترديها النسائم

إنها الأرض الربيع ، الصيف ،

دفء شتائها موج العبير

خريفها بوح النوافذ

بهجة الميلاد تملؤه بأسراب الإشارة

إنها الأرض الحقيقة والحضور ،

هي الغياب

والأرض تدرك سرّها

لكنها لا تمنح المفتاح

هذي الأرض قاهرة وطيعة لعوبْ

والأرض ضارية وحانية وفارعة طروبْ

صعب مراميها ،

هوادج ليلها ترخي الستور على ثقوب القلب ِ

ما نقصت حوافيها

بل اهتزت فيافيها وغادرها اليباب……..

………………

التفت فأجدك ورائي ..

هابطا من وجع الغيم ومن برق القيود

صوتك الماء وعيناك الحدود

وأنا أقهر تاريخ الشهادة

بتضاريس .. الوعود

تأخذني ذراعاك نحو القاع على موج أحمر

أتشبث بأنوارك ، وأكبو

تأخذني ذراعاك الى شاطئ المحنة

ننام وسط اللؤلؤ والمرجان

ونمسك بإطراف الأرض

نتشبث بأذيالها كي لا نضيع

انحني فوق جرحك قوساً من رحمة  فتضيع المدنُ

ويغيب الدليل

وفوق صدري يهبط راسك طفلاً مخضباً بالتفاحْ..

****

أيتها الأرض التي تموج فوق الغيم

أيتها الأرض التي تنام تحت الضيم

أيتها الجسورة المعطاء

لن تسقط الأوراد يا سيدتي

عن شجر الرجاء

أو يكشف الزمان عن أسراره لطائرالعنقاء

أيتها الأرض التي تنام في العراء

عصية..

             غراء

مرّي  على الحمائم الشريدة

ولوّني الغصون بالبكاء …

                 ****

تهبط الصواريخ ، تهبط

 وأسمع نشيج الأرض

ويا وطني ..

لا فجر كي أرخي ضفائرك النبية فوقهُ

لا فجر كي أرخي عليه ضفائري

قتلاك يمحون التقاويم الأسيرة بين سياف يجئ من  الشمال وبائع الأكفان في ليل الجنوب

وطني

دليلي ذلك الحلمُ المريب

وشذى قميص الجب معقوداً برائحتين

دجلة والتراب

عاد الغراب

لا مأوى في هذا الخراب

لا مأوى ، ليل الموت

أضرحة تقوم مآذن تكبو ،

وتنهض لعبة أخرى

وتصحو فتنة أخرى

وأكبو بين صاروخ وجالوت ..

وانهض في الشظايا ،

 ان رائحة الغريب

تلوث القداح ،

عطر الليل يسرقني من الأدران والأوثان

 ساعدك البهي

يشد عظمي ،

 طفلة تعدو ، تلاحقها الشظية ،

 يدخل السرد الأثيم

والأرض ” نيدابا ” الغلال

حقولها دلتا “العراق”

وألف نهر شق في جسد التراب وشائع    

الحرف الأثير

شفيعة الأسرار “نيدابا” والهة الحصاد

حقولها ورد العلامات السجينة

طينها العرفان والأسرار والأنوار

نيدابا” على سرر الحرير”

تبكي غبار مدينة ضاعت وفي أحشائها

تاج ملوكي له جنحان

في أحشائها أسد يمور

أسد يتشكل جسده السفلي من موج فيضان

ويربض أسدان عن يمينه ويساره

أسد تجلت له امرأة تمسك بيدها قلما ذهبيا

وتمعن النظر في لوح طيني ترسم عليه السماء ونجومها

ترسم بلادي وفي ظهرها السكين

ترسم بلادي ،

تشق في كفها الأنهار وفي سمائها تنثر

الأقمار، وتزرع في ترابها كنوز المحنة..

حاملة القلم بلادي ..

حامية الكشف والعرفان والمعرفة ،

وحصن” ايدوبا” المدرسة …

بلادي .. قلم  “نيدابا” الذي يقول ما يحجبه النسيان

“عشتا ر ، عشتا ر “..

لتشرق شمس الألواح في فجر العراق وليفتح الشرق محاره

ففي لآلئ المحارة يكمن دم النساء

مسفوحا على مذابح الخصوبة في دروب الديمومة،

قرابين لرموز الخصب :

 

سيدات “سومر واكد واشور وبابل” في معابد  “سين”

اله القمر و ” اينانا ” سيدة الحب والخصب ..

(7)

صوتك الماء وعيناك العلامة

واينانا” أنا ..”

ناهضة في قيامة الحبْ

كف على شرف الخليج ,

واخرى تمسك بروق الساقية ..

وساعداك أجنحة الأفق

اختبئ في ظلالها، واعرف كيف أموت ..

والأرض تكتب بالشجر :

مداها الخمر

نونها الوجد

وميمها الكشف

 وصلاتها دوار النشوة

والنظر في وجه الأرض عبادة

والغربة في عينيك شهادة

والتمني انخطاف الروح في شراك الجسد ،

حيث انحني فوق جرحك قوس حنان تجري من تحته

الأنهار وينهض النخيل

وتدور المدن

ولائبة ارضي ،

 وعيدي مختبئ في جوف

رصاصة لا تصمت إلا لتثور

تنحني الروح فوق صدرك قوسا تنفرط من سواعده النجوم

وينهمر ورد الحدائق ..

والعراق حديقة روحي

اهرب من أروقة عذابه بنيراني

سمكة مذعورة تضيع في الصحراء ..

وحبك صحرائي ..

اصلب على أعمدة ضيائها ولا أموت

حبك صحرائي ازرع في ذهب رمالها بذور الحب فيطلع زيت اسود يحرقني ،

 تأخذني أغصان اللهب بعيدا ..

وأموت بحمى الوجد ..

                    ***

بريمر ،اندرسن ، جورج بوش شارون ، ديفيد ، شالوم ، جفت الصحف

كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا

                   أنيس…. ولم يسمر بمكة  سامر

 

يسرح الليل شعره فوق جروحنا

والصواريخ تسقط

تفجر المقابر بحثا عن أسلحة الدمار الشامل

 فتطاير الجثث جماجم

وأشلاء صدور وسواعدْ ..

يأتيها  الصبية بفك سفلي وأصابع عظمية

 وأشلاء كتف أنثوي

ما جف فيه العبير بعد ..

يأتونها من سطوح الحي المجاور للمقبرة بعظام محاجر وجماجم لصبيات

ما زالت خصل شعرهن تتهدل ،

تذكرني بأول ضفيرة قصتها لي أمي

 وعلقتها على كتف سريري بشرائط حمر ..

امي قصت ضفائري الطويلة كسنابل نيسان

 لترى كيف ينهمر شعري على كتفي شلالا

 كصوت فيروز وهو يوقظ موج الخطيئة :

يا مواويل الهوى

يمّّا يا موليا

ضرب الخناجر ولا ..

حكم النذل فيا

ولأول مرة لا ابكي غياب أمي ، بل اشكر السماء التي غيبتها

كي لا ترى كيف يصرخ “الثور المجنح” احتجاجا،

وكيف تغضي مكتبة “اشور” خجلا

وكيف تلوذ انهار العراق بالضفاف..

 

تسقط الصواريخ ،

                 تسقط

ووقع الصواريخ يوجع قلب الأرض….

(8)

تحولت القبور الى حفر عميقة

وماتت الأسئلة في عيون العراقيين ،

بلا دهشة ولا عجب لان القصف مخصص للمقابر هذه المرة …

فهم يهتمون بحقوق الأموات كذلك ،

كيسنجر اعد كتباً ورسائل ليؤكد

فرضية مهمة في الستراتيجية الأمريكية

 مفادها ان التاريخ لا يعاود حضوره ،

فلماذا يضربون الأموات بالصواريخ . ؟!

لكن التاريخ يظل ينبض

حيا وبعينين سوداوين ولذلك جاؤوا بالبارجات الى هنا ..

التاريخ يولد من جديد ، ولذلك يقتلون أمم التاريخ..

             ****

تسقط الصواريخ ،

               تسقط

والمطر ينهمر ،

 يغسل أدران الصواريخ اذ تحفر في الأرض مخابئ

 وتنكفئ في أعماق الوديان بالشظايا ..

وبين الشباك الغريبة ابحث عن نوافذك التي رفضت أن تمد لي ذراعيها

وظلت تعزف لحن الصقيع على أوتار الوحشة .

ابحث في أعماق الليل عن شرف قلبك

التي ارتدت عباءة حزنها ورحلت

وبقيت وحدي انظر إليها غائرة القدمين بوحول الريبة ..

ابحث عن وجهك قمرا معلقا فوق النخيل ..

أنت .. تعلمني مرافئ الكشف

تذهب الى جذور النبض حيث تسبح الفراشات لفصول العسل

أنت ..

 تفتح مملكة الصخور وتغامر بتيجانها

أنت ..

 تفتح جروح غربتي فتأخذك سواعد الهاوية

وأظل على سفر

في الليل أجدك  تفتح صدري باحثا عن حبة القرنفل ،

 فاقفل على وجهك الضلوع

وأتساءل :

 من منا خلق من ضلع الاخر……

وجهك الذي يستحم في نور حزني ،

 أحاول أن امسك وجنتيه فيهرب ..

وجهك الذي يستحم في مياه روحي

ويغفو فوق عشب صخورها ،

وحينما اقترب منه يغيب

وجهك الذي يفتح جروحي ،

 في كل جرح

فضاءات وحرائق ومواسم وقواصم ومدن تتهاوى

وجهك الشاهد على الفتنة ،

الشهيد في الفتنة

الذاهب ،

الايب ..

وجهك شارة الرحيل وعلامة الفقدان ووجع الغياب

رحيلي أنا

وفقداني أنا

ووجع روحي

عنقود دمع ينتظر أصابعك

أصابعك تورق فوق وجنتي

أصابعك تحتسي وجعا من أنين روحي

أتذكر الهذلي وورقه النضر

ودرويش وأغلال حبه ..و ابكي

تكاد يدي تندى اذا ما لمستها :

وينبت في أطرافها الورق النضر

هكذا نعبر في الطريق مكبلين نحتفل باحتلال العالم

ويا حبه  زدنى جوى كل ليلة           

 ويا سلوة الأيام موعدك الحشر

 

(9)

جبالك ، هضابك ، سهولك

تنساب في أعماق روحي

 كشوارع الحزن الممتدة ما بين فكرة وفكرة

وبين جرح وسكين

واعدو خلفك ..

تحت ضفائر الصفصاف

في حقول الليمون

في الغابات الضارعة حول دجلة تسبح بحبك

في براكين اللجين المنهمرة من شلالات جبالك

أداوي وجع الشقائق الحمر الطالعة بوقع خطاك

في رمل روحي ..

اتشبث بوجع النخيل:

 جرحني ..

كي احس انك معي …

…………………………..

أعدو خلفك في منعطفات الليل

وفي قيظ المنفى

 أعدو خلف ظلالك

من دبر قد قميصك

اشهد اني كنت وراءك

أشعل اسماك الخلجان

اشق عصا الطاعة في أروقة السلطان

واشهد كل نساء الحاشية الملكية

إني من غلقت الأبواب

واني من أربك صفو الملك القابع خلف رماد

الجدب وحمى السنبل

راودت حقول حرائقه

استطلعت منابت جذوتها سقطت بين يدي مفارقها

القارات توسوس في قبضة كفي فأروضها

السجن أحب إليك ،

وتعلم أن حديقة قلبي ابهى

عاد الي بك السجن

انكشفت صحف الوجد

الشارات ..

سقطت بين السجن وعرش الملكات

يبدأ حزن النايات وأنت معي ..

*

أعدو خلفك بين الشجر الخلب

والطلع الكذاب

يتكسر نجم الليل على الأعتاب

الملم أقراص الضوءِ

فينفرط العقد

وينفرط الوجد

اهجر عرش الملكين

وأودع هدهدهم في الجب

واعدو خلفك …………….

……………

(10)

وجهك يشرق في  حدائق روحي

وجهك يتجول في فضاء روحي

يزرع في حقولها قمحا وشجر ياسمين

يصعد جبالها ويخمد فتن البلابل فيها

وجهك يهبط في وديان روحي

يشعل في أدغالها حروبا

ويشيع فيها القتل والتنكيل..

وجهك يفتح فيافي روحي

 ويطلق النار على غزلان وجدها وشجاها

1.     وأنت .. ترسم لي خريطة الوجود وتعلمني إشاراته

تفتح أنهاره وأسراره ومواجعه وملاعبه

 وتدخلني معك في الرحمة ..

حيث لا تبدأ بالأضالع كأول الخلق.

بل من بلاغة الأصابع…

 اذ اكتشف كفي فساعدي فصدري.

وتحت كل همسة ينهض عضو جديد

حتى يتشكل الجسد…

بهيا.ومغتسلا بالنيران..

أنت ..

 تفتح لي بوابة الخلق لأبصر بنور قلبي

 كيف ينبعث الورد  من صرخة النار ..

تحملني فوق كتفيك وسط انفجار المستشفيات

 اذ قذفونا في شوارع الليل

وحيدين عاريين الا من الحمى

أخفي وجهك بين كفيّ وأخبئه في شغاف حبي

 وانحني فوقه قوس حنان ..

وعناقيد كرات ماسية تتألق في العتمة

تتساقط على صدر الأرض بذورا ترحل بثمرها الشائك الى هناك..

في المنعطفات الأمريكية المربكة والموغلة بالسواد

حيث لم تنفع تحذيرات الزابيث بيشوب ولا ماريان مور ..

 

وفي الليل ،

       في الليل

تهيم الصواريخ فوق جسدي

تسحقه كوردة برية لا تؤمن بالخطيئة

وترفعه على روؤس الشظايا

نافورة دم تلطخ أردان البشرية

كي يشعر العالم بالخجل مرة واحدة

وينحني ولو كذبا لجرح وردة عراقية تنزف.

*

(11)

في أنين الأروقة المهجورة

في القناطر الغامضة

  في الجداول النشوى ..

في المنابع البكر …

في دهليز يؤدي ، الى فناء ،الى فضاء

أمعن النظر في سماء لازوردية ،

وأحاول ان أتذكر ضراعات أمي

وهي تعرج الى السماء وكنت معها

هل دعت لي ان تمطر النجمات فوق جيدي وكتفي

 وفوق حرير صدري فلاً وريحان

وأحاول ان أتذكر

 كيف أقنعت السماء ان تحملني على أمواج البحر

 مجروحة ظمأى

وان تدخلني في النعيم……..

وقلبك بحر  يؤرجحني، لأضيع

في لعبة المد والجزر

بحر قلبك

 وقلبي زورق يجمع ورود الوديان

 وينجو بها من أدران الجريمة

بحر قلبك ،

 وقلبي غصن مخلوع من ضلع الكون يقارع أمواجه ..

بحرٌ قلبك ، وقلبي ضفافه ْ

واثبةً جذلى ,

ومسكونة بالحنين ..

وأنين العراقيين نايٌ يشكل تضاريس الوجود

ودعاء العراقيين حدائق ُ تكشف للسماء صدرها

فيغمض ورد الفجر على الندى

وتفرش أجنحتها الينابيع….

والصواريخ تهوي ،

 تنفلق الجسور ، تتكسر أعمدتُها

وندخل في الغياب ..

تنتزعني ذراعاك من شباك الحرائق

 وتكتبني فوق شرف الصبر

أنت ..

 تمحو تواريخ مدني ،

 وتكتب شجرها من جديد

انت تعيد تاثيث روحى

 وتشيع في سكونها متعة الإرباك

انت..

. تمسح غواية ضفافي ، لتكتب أسرار البحر عليها ..

أنت ..

 تفتح لي سواعد الجحيم لأدخل معك في التجربة ..

قتلاً ونسفا وحرقاً وتشريد

حيث تنهض الأرض عارية إلا من إزار اللهب

تكتب سيرة حبها نقوشاً عل صدر الريح

وتعد الطغاة بحصان الهزيمة….

أمريكا . .               

إن يتبقَ شعرة من وجودك على الأرض

 فستمتلئ البحار السبعة بدنسكْ

أمريكا …                         

 أيتها الثملة بفجور حديدها ،

على وهج النار استقرت فراشتها

ووسط اللهب تناثرت رويداً

كي تعرف ان هذا المكان

لا يتسع لقلب صدئ وكف بلا مفتاح

أمريكا ..                     

كل الأبواب مقفلة

وألوان الصورة الى زوال….

 ………………………………

أنت ..

 تزرع في أمومة الأرض أنوثتها

كي تزهر زنابق حمرا                                                وقرنفلاً من لهب ..

انت ..

تربك يقيني كي أضيع من جديد ،

 ولا شئ في الزبر الا ضوء قلبك وقلبي

 فمن اين لي بعاقر لهذه الناقة ،

وعارية الا من انين حزني ،

 اذ يمتزج الوجع بالعطر بالنار..

والا من جرح يرفض المساءلة …

ومابين الكلمة والفعل تسترخي الظنون ..

وما بين قلبك وقلبي تشتعل مسالك وممالك

لا يستطيع ان يصلها أحد

هل أخذتك الموجة الغريبة مني ..!

اذ يؤذّن مؤذن الغرام ، وتلوب السفن

انهض وسط الدوامة مفعمة بالحريق

ووجهك حلم هارب ، وابتسامتي حلم مثقوب

وفي صدري حفرة فاغرة فاها

افتح ساعدي لمطر العلقم 

واشتعل بالنداء ..

هل أخذتك الموجة الغريبة مني ..!

أنا .. زارعة أول بذرة قمح في دلتا الخلجان

أنا .. صانعة الألواح ، راسمة حروف الضياء

بارئة التاريخ ، صانعة الحضارة ، مؤثثة الجمال

أنا .. مانحة أصابعك الضوء ،

معلمة قلبك الفتنة ،

وكاشفة الحجب حتى ترى ..

أنا .. ماحية الجهل ،

صانعة الخمر ،

مشعلة الورد

قارئة روحك حتى تشتعل الصحف

ومطلقة النعم حتى تذوق ..

ومن ذاق عرف ..

(10)

قلتَ .. هذا هو العطاء فأين الرواء ..

وقلت .. دعي النار تشتعل فليس ثمة مناص ..

وأنا لا أريد أن أنام كي يصمت أنين الجوارح

لا أريد ان أصحو …

فما بين الصحوة والنوم ينهض وجهك

مجّرحاً بشظايا القنابل ،

ونابضاً في عيون المستحيل ..

هل ستأخذك الموجة الغريبة مني ..!

أصحو ، وجروح السؤال ظمأى ..

أصحو .. والصحو دخول في العتمة

أصحو .. والصحو يقلق بلابل الفجر ،

ويربك فرح التكوين في عيون الشجر ..

فمتى اصحو وترقص في الكون القناديل ؟!

*

صاح صائح في المدينة : لقد قذفت الطائرات الأمريكية في الأنهار سموماً

بايولوجية فأقفلوا صمامات المياه الخارجية وليكتف الناس بمياه بيوتهم حذر التسمم ،

أقفلنا صمامات الأنابيب وعطشنا .

 جفّتْ النساء وبكى الأطفال ، واضرب الرجال عن الطعام

 لأنهم اذ خرجوا للحرب لم يجدوا من يحاربونه ،

انتظروا في الصحراء طويلاً ، لكن احداً من الرجال لم يأت ،

 وحدها الصواريخ جاءت مدججة بالحرائق ..

قال المحلل الأمريكي ( بعلمية وموضوعية ) :

 المطلوب قتل ثلث العراقيين حرباً ودهساً واغتيالاً، وتهجير ثلثهم الأخر ، والإبقاء على الثلث الأخير (من المعوقين والشيوخ والأطفال ) وهكذا يصفو الجو لديمقراطية الشرق الأوسط الكبير ..!

تهبط الصواريخ ،

               تهبط

والأرض بشموخ الأنوثة تبتلع النار ..

والناس يموتون وقلبي يتلفت

أمرنا ان نقول : نعم

فقلنا : لا

وكنت اصدق ان ثمن ( لا ) في الأمركة المعاصرة يساوي خمسة وعشرين مليونا وتسعمئة ألف طن من المتفجرات ..

جوع ودم ..

نقفل أبواب بيوتنا دون وداع ، نتركها للصواريخ

ونذهب الى حيث نموت مع من نحب ، ولا ندري لماذا نموت او نجوع في زمن الحوار.

لا ندري لماذا يقمع ويحرق ويجلط خمسة وعشرون مليونا وتسعمئة ألف عراقي ،

ويحترق لحم دجلة والفرات

والفضائيات العربية تلتقط صور النيران ،

وبعدها التقطت صور خمسة وعشرين مليونا وتسعمئة ألف كتاب متفحم في قاعات المكتبة الوطنية ، وأشلاء خمسة وعشرين مليونا وتسعمئة ألف قطعة من اللقى النفيسة مسروقة او محطمة في متاحف العراق ، لكنها لم تحفل ابداً بدوا خل العراقي المتفحمة ، وظلت ناره تسعر في الخفاء ..

والجامعة العربية لا تجتمع لأنها خجلة من قذارة أردان السلاطين …

وأعضاء مجلس الامن غادروا الغرف الأنيقة الملطخة بالدم وجلسوا أمام القنوات الفضائية يتابعون أخبار التنكيل بالعراق ، وفي زمن الحوار كذلك ، لا يسالون .. لماذا .!

ينكفئ في صدرك وجهي ، وتذبل كفاي

وأقول : احبك

فتقول .. يا أيتها الكلمة المطمئنة .. افتحي أبواب

الجنة وادخلي في الرضوان

بعدها طارت طيور أغصان قلبي ، وتوضأت بالخوف جوارحي

وحاولت نسيانك ، ففرغت الغيوم من مائها ،

وانطفأت النيران في الوديان ..

(13)

في آخر انفجارات الفجر كان صوتك يناديني ، يسألني عن جذور  ( سلطان )

في القواميس العربية ، لكن القواميس العربية ما تزال نائمة ، ولذلك

احلتك الى “فوكو ودريدا “، والى البراجمانية التي أغرقت العالم بوحول المداهنة ، من عصر السلاجقة حتى احتلال بغداد ثانية..

-هل احتلت بغداد ثانية يا سيدتي ..؟

-نعم في الالف الثالث للميلاد حيث تنتصب تماثيل الحرية…

ينتفخ ( السلطان ) بالسلطة حتى تشم رائحة نتن تنبعث من أصغر الكراسي السلطوية حتى أكبرها ،

قتلوا ، سرقوا ، أشعلوا كل شيء ،

لكنني ما أزال غنية بك

يسلمني فجر لفجر ..

وسماء لسماء ..

 وروض لروض .

ويسلمني قمر لساعديك

غنية أنا بك ..

مواعيدك وجهتي ،

وصوتك قبلتي ،

وصدرك صحرائي أضيع بذهب رمالها واسكن عيون الغزلان ..

انتظر الملك الموّكل بالولادة ان يخرجني على ريشةٍ من جناحه …

كي أعودَ لنوركَ مرة أخرى

صبية يطلع في كل جرح من جروحها عملاق في رأسه وعلى كتفيه وصدره ألف عين

طغى فانتزعت السماء عيونه ،

وأعطتها لصخور الجبال …

هكذا قالوا عن ( السلطان ) وظلت صخورك مبصرة …

وجبالك ملاذي اختبئ في كهوفها فيتلقفني الوحي

وتحف بي الملائكة ..

جبالك ملاذي ، استسلم في كهوفها لأصابع الزمن

يقلبني ذات اليمين وذات الشمال ..

كل شيء يذوي والأرض حقيبة نار

 يحملها إرهابي شرس ويخيف بها الكون ،

 ووطني تفاحة غارقة بالظلام

 فقد نسفت الطائرات الأمريكية آخر محطات الكهرباء ،

في الألف الثالث للميلاد ، يغرق بلد متحضر عمره سبعة آلاف عام بملايينه الخمسة وعشرين وتسعمئة ألف إنسان ، يغرقون بالظلام في ظل الحضارة

الأمريكية العتيدة ..

يضرب ( ابن رشد ) مطرقة القضاء غضباً ويصرخ في الفضاء ..

*

(14)

في المساء انتظرك كي نحول الليل ضحىً والارض رمانة مفتوحة

ونقرأ باسم العلامة حمى التحول ،

وفي نظرية ( اقرأ) تأخذ الأشياء زخرفها

وتنجلي الفتنة ..

انتظرك ، انتظرك  …

 ما أصعب الانتظار في زمن الفتنة

ما أجمل الانتظار والطرق مقفلة

الجسور هاوية ،

والصواريخ تملأ الكون ..

لكنك تجئ ..

فعل الأمر يراودني ..

فعل الأمر يقرع أجراس دمي ..

يوشوش جذور الأرض في دراما الربيع

فتصعد الأروقة

نحو سماء عاشرة ، ويدوخ الشجر بنشوة تعالي ..

فعل الأمر يزعزع هالة التمنع ،

يشعل السرد الكامن في عبق التراب

فادخل في المضارع ،

وأغيب في رقصة المخاصرة

الشمس تخاصر الأفق ..

الأفق يخاصر المدى ..

البحر يخاصر الصحارى ..

النهر يخاصر المدن ..

الجداول تخاصر الشجر

وأغصانك تخاصرني وتشعل ساعداي موسيقى كتفيك

وقع رقصتي يشعل حشائش الوجود

 فيلتمع الندى في عيون الورد

وأقرا في متاهة العبير موتي

اذ تلتف السموات في طيات شعري نواعير زرقا

وتنهمك أصابعك بفرز ملكوت عن ملكوت :

تهبط على كتفيك طفلة عيناها خضرة النعيم

ووجهها بدر نيسان

طفلة في صدرها تلوب الشظايا

فلا تصرخ او تبكي بل تصمت وتموت …

………..

……………

(15)

في الساعة الرابعة من فجر الثالث عشر من شباط 1991 كان اطفال العراق في ملجأ

العامرية يغطون في نوم عميق تداعبهم الملائكة ويسرح بهم غيم عراقي …

في الساعة الرابعة من ذلك الفجر كانت صبيات الملجأ يحلمن بمن يفك ضفائرهن العراقية السمر ،

في الساعة الرابعة من ذلك الفجر كانت ضحكات فتيان مكابرة تجلجل في المكان ، ضحكات تقارع الخوف الربض في الأعماق وحشاً .. يبتلع كل جمال في الحياة وكل بهجة فيها .

يقول الخليل بن احمد ، ومن بعده سيبويه : الملجأ في الحرب

ملجأ ، يعني حرمة وملاذا و معقلا …

الملجأ حمى وحصن يعد في المدن لاعتصام الناس فيه

لكن قيامة الصواريخ الأمريكية قامت في هذا الملجأ ،

في تلك الساعة من الفجر ،

قامت قيامة الصواريخ واختلط اللحم العراقي البرئ

بجحيم الحضارة الأمريكية الغارقة بالدرن ..

اختلطت جثث خمسة وعشرين مليوناً وتسعمئة الف شهيدة وشهيد ، أطفالاً وصبياناً وفتيانا

وشيوخاً من النساء والرجال

وسألت أعراف الحروب وقوانينها عن مشروعية ضرب الملاجئ ،

لكن أحداً في زمن الحرية لم يستطع ان يجيب ..!

يا الهي .. قرب ثمر الشجرة مني

كي أرمم بالعبير دمي ،

يا الهي .. لا تقرب ثمر الشجرة مني ،

 كي أظل هكذا ..

 أفوح بالنيران ….

………….

أدخل جروح الشجر وأتبعثر بين خنجر وسكين

وبمهارة المغامرة تعاود الأشلاء نهوضها ،

بحنو الطفولة

وحنين الحدائق ..

ليس نزوة ولا افتتان عاشقين

بل هي لؤلؤة الحكمة وماسة اليقين يجلوان ظلم العالم

ويوقفان انهياره الأليم

أرسلت كاترين صديقتي البلجيكية تقول :

كونوا أقوياء بالجمال الذي تمتلكون ، فالجمال كما

يقول دستوفسكي سيحمي العالم ، وليس بامكان أية قنبلة ان تحطم قانون الجمال ..

التفت ورائي فأرى الشمس تزحف على المدى

وأبصرهم يطاردونها .. مذعورين

تسقط الصواريخ ،

            تسقط

واسمع احتجاج الارض ..

(16)

حينما كان قيس القيسي الذي لم يتوقع اية صعوبات – يسعى لاستيراد ( أقمشة أكفان ) للعراق وجد نفسه يدخل في مناقشات مطولة مع وحدة العقوبات

في دائرة التجارة والصناعة ، وقد شرح لهم الهدف من هذه المادة قائلاً :

ان هذا القماش لا يمكن استخدامه في شيء الا لتكفين الموتى انه خام خاص بالاموات ، لا يمكن استخدامه كستائر او ملابس ،

 انها أقمشة تكفين ،

اننا لا ندفن موتانا في ملابس أنيقة او أحذية لامعة، اننا نغسّلهم ونعنى بهم ونضعهم في باطن الأرض

ملفوفين في كفن ..

بعد سبعة اشهر كاملة من تقديم القيسي الطلب ، ابلغه “بيترماتن” من وحدة العقوبات انه لم يصدر له ترخيص بذلك لان الممثل الأمريكي في لجنة العقوبات في الأمم المتحدة يمنع في الوقت الحاضر تصدير أقمشة الأكفان للعراق ..

 …………..

الماء مر ،

الشجر مر ،

 قطرات المطر تأخذ شكل الدم ،

أبصر سيول الدم في سقف غرفتي

 في ممرات بيتي ،

في شرف قلبي

 في الشوارع والملاعب ،

على الأرصفة برك دم

رفوف المكتبات تحترق ،

 المدارس تحترق ،

 المستشفيات تنهب وتحترق ،

 أشباح همجية تجتاح الجامعات ،

 أبواب المكتبات مفتوحة على مصراعيها

 أبواب المخطوطات ،

 حدائق التاريخ ،

رياض الحضارة

سواعد الجان تتلف كل شيء

وترميه في الشاحنات الملطخة بالوحل والدم والزيت ، وهي تحرقه ان لم تستطع حمله ،

عناقيد الورد تتفحم

بقناديلها وأقمارها ونوافذها المفتوحة على الحياة ،

 شوارع الحب تحفرها الصواريخ ،

 خطى العشاق تبترها الشظايا ،

زجاج القصف يمزق اكف الأطباء ،

 صالات العمليات معتمة ،

الصواريخ تهوي على محطات الكهرباء ،

على إسالة الماء

 على معامل الأدوية والأغذية ،

 على الأحياء الكثيفة بالفقراء ..

الصواريخ  تهوي بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل ..

الدبابات تجتاح بيوت الأبرياء بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل

وهم بأسلحة الدمار الشامل يبيدون العراق ..

الأشرطة الأمريكية الحارقة تحول مؤسسات الدولة الى جمر يبيد كل شيء ، الأشرطة الحارقة تحيل المؤسسات بطوابقها العامرة الى حجارة متفحمة، الصواريخ تبيد الدولة من جذورها

لا دولة في العراق ..

امرأة مبتورة الساعد تعدو ..

تبحث عن طفلها  بين الانقاض

يحاولون ايقاف نزفها فتصرخ :

لا أريد يدي ، بل أريد ولدي ..

 

خذي يا سماء الجريمة ما تبقى ،

 خذيه ، افتحي أفواههم

وصبي فيها أطنان النفط والكبريت والزئبق والذهب

 وصهاريج العذاب الذي لن تنطفئ ابداً

فقد اخطأت السماء اذ وضعت كل هذه الكنوز في ارض العرب ،

اخطأت………………

 وهاهم بشهامة المروءة الأمريكية يصححون الأخطاء ..

هكذا قال المحلل الأمريكي عشية إعلان الحرب .. !

أغمض عيني واحلم بالملايين العربية تموج بين المحيط والخليج ترفض قتل العراق ،

 أغمض عيني وابحث في المذياع عمن يصرخ ويحتج ولو على الطريقة الأمريكية ،

لكنني أجد الصمت ملاذ الجميع

 مدركين حكمة الموتى..

” الصمت من ذهب “

 لكنهم لم يدركوا ان الكلام لم يكن من فضة

لأنه كان ماسة الحقيقة

 وشجرة اليقين التي غيبتها الجريمة

دخان يملا التفاحة الحمراء الممتدة على اربعمئة وثلاثة وستين ألف كم2

دخان ، دخان ..

دخان الصواريخ ،

 دخان المتفجرات ،

دخان الحرائق ،

 دخان الأرواح ،

 دم الأحلام ،

 جثث ،

 مداهمات ، احتدام ،

 أبواب البيوت تنسف في أنصاف الليالي ،

البيوت العراقية تسرق في اعماق الليالي

 رجال ونساء يقذفون في المدرعات الأمريكية ،

 أطفال يصرخون ..

إلى أين ، إلى أين .. !

لا احد يدري…………..

 فالسجون السابقة لم تعد تكفي ، لان الديمقراطية الجديدة تقتل وتسجن وتسفك الداء من اجل ان تجعلك تؤمن بديمقراطيتها وحدها لا غير ..

ارفض ، أرفض ..

فالدم المخنوق بالنار كان دمي

والصوت المضرج بحليب الفزع صوتي ،

 وكل شيء يتهاوى

الدولة العراقية المبجلة بعمرها الممتد في أغوار التاريخ

ستة آلاف عام

كل شيء يتهاوى :

تأملت الصديقة الأمريكية بربارة أستاذة الانثروبولوجي

أسوار” نينوى” وتمتمت

انهم قتلة الحضارة يا سيدتي …

لا جيش ، لا شرطة ، لا امن ، ولا مؤسسات

ستراتيجية الاحتلال حلت الجيش والشرطة والأمن والمؤسسات ،

ستراتيجية الاحتلال فككت وجود الدولة

 حطمت أعمدتها ..

ملايين الرجال في الشوارع عاطلون ، لا رواتب ، لا تقاعد ، لا ضمان

كل شيء يتهاوى ..

فابكين يا بنات عبد المطلب ،

ابكين مجد الملك الغارب

والغيم الذاهب

والشمس الموزعة بين القبائل

ابكين زمن الوصل في الأندلس

زمن الوصل في الغضا

زمن الوصل في عكا

وزمن تاج التيجان .. بغداد ،

وأنت يا عراق المحنة

جادك الغيث اذا الغيث همى ..

ولقد همى الغيث

تماسيح نار وحيتان حديد

           وثعابين لهب

تسقط الصواريخ ،

         تسقط ….

تطاير شظايا أصابعك

         ملفوفة بخصل شعري ،

اسمع في الأعماق صرخة جنيني

فزعاً يمزق أحشائي ،

 يحاول الهرب ، لكن إلى أين .. !!

ساعداك حول خصري يحاولان إيقاف

                    نوافير الدم ..

من الخاصرة ،

من فصوص الصدر ،

 

 من العنق

ساعداك يبحثان عن ثقوب الرصاص

في جسدي

 شلالين من دم

 اتعب ،

       اتعب

أغمض عيني

           واحتضن الأرض

والقبائل نائمة ٌ

والخيام تمزقها الريح

بغداد مذبوحة في العراء

السواحل مأزومة بالحجارة

والتمر يرفض أن يتساقط

بغداد تعدو بأحشائها يتضور طفل جريح ..

أضف تعليق